الآلية
منذ عام 2011، وبعد تصاعد العنف في سوريا، وعقب تطور الوضع إلى نزاع مسلح واحد أو أكثر، وردت تقارير متعددة من كيانات مختلفة، بما في ذلك لجنة التحقيق المعنية بسوريا، تدين وتعزو الفظائع إلى أطراف مختلفة. وأدى ذلك إلى دعوات قوية للمساءلة من داخل منظومة الأمم المتحدة وفيما بين الدول، ولكن الجمود السياسي منع العديد من الحلول الأكثر وضوحا. وعلى وجه الخصوص، لم يتوصل مجلس الأمن إلى اتفاق بشأن إحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية أو إنشاء محكمة دولية لها اختصاص النظر في هذه الجرائم.
وفي ظل هذه الخلفية، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول/ديسمبر 2016 الآلية، وشدّدت على ضرورة ضمان المحاسبة على الجرائم التي تنطوي على انتهاكات للقانون الدولي في سوريا. وفي الفقرة 4 من القرار 248/71، قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة إنشاء الآلية “للمساعدة في التحقيق والملاحقة القضائية للأشخاص المسؤولين عن الجرائم الأشد خطورةً المرتكبة وفق تصنيف القانون الدولي المرتكبة في الجمهورية العربية السورية منذ آذار/مارس 2011”.
على الرغم من أن الآلية هي هيئة مؤقتة إلا أن الجمعية العامة لم تحدد زمناً لولايتها.
تساعد الآلية في التحقيق في الجرائم الأشد خطورةً بموجب القانون الدولي والملاحقة القضائية لمرتكبي هذه الجرائم، التي يشار إليها أيضاً باسم الجرائم الأساسية، أي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، وفق تعريفها في مصادر القانون الدولي ذات الصلة.
لا. الآلية ليست مكتباً للمدعي العام ولا محكمة ولا يمكنها إصدار لوائح اتهام أو إجراء محاكمات. وتتمثل ولايتها في توحيد الأدلة والمعلومات التي تجمعها، وحفظها، وتحليلها، وإعداد ملفات القضايا، وتبادل هذه المعلومات والأدلة والتحليلات، بما في ذلك ملفات القضايا مع المحاكم والهيئات القضائية المختصة للمساعدة في التحقيق والملاحقة الجنائية للأشخاص الذين يُزعم أنهم مسؤولون عنها، سواء في الحاضر أو في المستقبل.
العامل الحاسم لتبادل الملفات مع السلطات القضائية والإدّعائية السورية، كما مع تلك في أي دولة أخرى، هو ما إذا كانت محاكمها أو هيئاتها القضائية تحترم القانون الدولي لحقوق الإنسان ومعايير حقوق الإنسان الدولية، بما في ذلك الحق في محاكمة عادلة، وما إذا كانت عقوبة الإعدام تنطبق أم لا على الجرائم قيد النظر.
لا يمكن إنكار أن المعلومات التي جمعتها الآلية قد تكون ذات صلة ليس فقط في سياق الإجراءات الجنائية، ولكن أيضا في سياق إجراءات أخرى، بما في ذلك على سبيل المثال فيما يخص الأسر التي لا تعرف مصير أحبائها؛ أو لعمليات العدالة الانتقالية في المستقبل؛
ولتحقيق ذلك، تبذل الآلية قصارى جهدها لتطوير عمليات لتوسيع المعلومات التي يمكن جمعها، من أجل خلق المزيد من الفرص للمساهمة في عمل الهيئات الدولية المكلفة بتحقيق أهداف العدالة الأخرى.
يعني التمسك بالاستقلالية أن الآلية لن تتصرف بناء على تعليمات من أي كيان في أداء عملها، ولن تتأثر بخطط أي جهة خارجية. وفيما يتعلق بالمواد التي تجمعها الآلية من مصادر مختلفة فإنها لن تتبنى أي استنتاج تتوصل إليه هيئات أخرى. وعوضاً عن ذلك، ستجري الآلية في جميع الحالات تقييماً موضوعياً خاصاً بها للمواد التي تلقتها وستستخلص استنتاجاتها الخاصة بها، بتطبيق معيار قانوني جنائي.
أما ضمان الحياد فإنه يعني أن الآلية لن تتحيز ضد دولة أو جماعة أو فرد بعينه أو تنحاز لصالحها. وبدلاً من ذلك، سوف تتناول الجرائم المرتكبة في سوريا بغض النظر عن أي انتماء لمرتكبيها المزعومين.
وستعكس جهود الآلية في جمع الأدلة واختيار ملفات القضايا حقيقة أن الجرائم المزعومة حتى الآن تهم جميع الجهات الفاعلة الضالعة في النزاع/النزاعات وأثرت على الضحايا من جميع الأطراف. وهذا لا يعني أنه يجب إعداد عدد متساو من ملفات القضايا ضد مرتكبي الجرائم من جميع الأطراف، إذا تبين من الأدلة أن حجم الجرائم أو خطورتها يختلفان.
تختلف ولاية الآلية عن ولاية هيئات الأمم المتحدة الأخرى التي ما برحت توثق الانتهاكات المرتكبة في سوريا. وينتقل عمل الآلية على وجه الخصوص، من مجال تقصي الحقائق التقليدي لحقوق الإنسان ويندرج تماما ضمن إطار للمساءلة الجنائية. وإضافةً إلى تطبيق أطر صارمة للإثبات في سياق القانون الجنائي (المشار إليها في سياق القانون الجنائي الدولي بوصفها أدلة ”ذات أساس جنائي“)، يركز عمل الآلية على تحديد الأدلة التي تربط هذه الجرائم بأفراد محددين.
نعم. اعتمد مؤتمر الدول الأطراف في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية قراراً تاريخياً في 27 حزيران/يونيه 2018 «للتصدي للتهديد الناجم عن استخدام الأسلحة الكيميائية»، قرر فيه:
«أن تتخذ الأمانة ترتيبات لكي تحدد هوية من قاموا باستخدام الأسلحة الكيميائية في الجمهورية العربية السورية، من خلال تمييز وتبليغ جميع المعلومات التي يمكن أن تكون ذات صلة بمنشأ تلك الأسلحة الكيميائية في الحالات التي يَثبُت أو ثبت فيها لبعثة التقصّي التابعة للمنظمة في سورية أن أسلحة كيميائية قد استُخدمت أو يرجّح أنها استُخدمت، والحالات التي لم تُصدِر آلية التحقيق المشتركة بين المنظمة والأمم المتحدة تقريرا عنها؛ وقرر أيضا أن تقدم الأمانة تقارير منتظمة عن تحقيقاتها إلى المجلس وإلى الأمين العام للأمم المتحدة للنظر فيها.»
وفي المقرر نفسه، تقرر أن «تحتفظ الأمانة بالمعلومات وتقدمها» إلى الآلية.
ووقعت الآلية ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية إتفاقية تعاون (مذكرة تفاهم) تسمح للآلية بالوصول إلى مواد هامة جمعتها المنظمة، بما في ذلك فريق التحقيق وتحديد الهوية التابع لها.
الآلية و الدول
دعت الجمعية العامة في قرارها 248/71، الذي أُنشئت بموجبه الآلية، جميع الدول وجميع أطراف النزاع والمجتمع المدني إلى التعاون الكامل مع الآلية وتزويدها بأي معلومات ووثائق قد تكون لديها، وكذلك بأي شكل آخر من أشكال المساعدة المتصلة بولايتها.
نعم، كما هو الحال مع أي دولة أو كيان آخر. إن الآلية على استعداد لجمع المواد من مجموعة متنوعة جدا من المصادر.
ومن المرجح أن يكون لدى سوريا معلومات قد تكون مهمة على صعيد تحديد ارتكاب جرائم دولية من قبل مختلف الجهات الفاعلة المشاركة في النزاع؛ ولذلك، تأمل الآلية في أن تكون سوريا مستعدة لتزويد الآلية بهذه المعلومات المهمة.
نعم، يمكن لسلطات الادعاء الوطنية وللسلطات القضائية الوطنية أن تقدم طلبات للمساعدة إلى الآلية، لتلقي معلومات وأدلة أو نواتج عمل تحليلي طورتها الآلية. كذلك، يمكن للآلية أن تزود السلطات القضائية الوطنية بالمواد بصورة استباقية.
الآلية و المجتمع المدني
إن دور المجتمع المدني أساسي في عمل الآلية. وترى الآلية أن من الضروري بناء علاقات الثقة وتعزيزها مع المجتمع المدني السوري، فضلاً عن منظمات المجتمع المدني العاملة إقليميًا ودوليًا.
ويشمل جزء هام من عمل الآلية التواصل مع المجتمع المدني لتعزيز فهمه لولاية الآلية، ومناقشة طرائق المشاركة والتعاون النشط، وتعزيز الالتزام بتزويد الآلية بالمعلومات والوثائق ذات الصلة التي في حوزته.
وتُولي الآلية الأولوية للتعامل مع المنظمات غير الحكومية السورية، وهي ملتزمة التزاماً راسخاً بالحفاظ على التواصل في الاتجاهين وضمان إسماع أصوات الضحايا/الناجين/ات.
وفي الثالث من نيسان/أبريل 2018 في لوزان، وقعت الآلية و28 منظمة غير حكومية سورية بروتوكول تعاون يحدد مجموعة من المبادئ الشاملة لتوجيه المشاركة المتبادلة. كذلك تهدف الوثيقة إلى ضمان التفاهم المتبادل فيما يتعلق بفرص التعاون، تعزيزا للهدف المشترك للأطراف المتمثل في ضمان العدالة والمساءلة والإنصاف للضحايا/الناجين من الجرائم المرتكبة في سوريا. كما أنها توفر إطارا عاما للمنظمات غير الحكومية الأخرى التي تتطلع إلى العمل مع الآلية.
لا يشكل تبادل الأدلة والمعلومات عن الجرائم المرتكبة في سوريا سوى جزء من عمل الآلية. وبوجه عام، فإن هذا الجهد مكمل لعمل الآخرين، ولا يشكل ازدواجيةً ولا بديلاً، مما يسهم في نهاية المطاف في تحقيق نفس الهدف المتمثل في تسهيل المساءلة عن الجرائم المرتكبة في سوريا.
ومع استمرار جمع المعلومات والأدلة عن الجرائم المتعلقة بسوريا، وتوحيدها في المستودع المركزي، فإن ذلك يزيد من احتمال وجود أدلة إضافية يمكن أن تدعم أو تعزز المعلومات التي في حوزة المنظمات غير الحكومية. ومع تزايد عدد السلطات القضائية التي تحقق في الجرائم، فإن المنظمات غير الحكومية التي تتقاسم معلوماتها وأدلتها مع الآلية ستزيد من فرص استخدام الأدلة في الإجراءات الوطنية، ليس فقط لأن المدعين العامين على علم بالفعل بعمل الآلية، وبأساليبها القياسية في إطار القانون الجنائي، ولكن أيضاً لأن بإمكانها الوصول إلى المعلومات والمنتجات التحليلية المطلوبة لدعم قضاياها.
سوف تبقي الآلية المنظمات غير الحكومية التي تقدم مواد على علم بشأن تبادل تلك المواد مع السلطات القضائية المختصة، في حدود متطلبات السرية؛ والسرية منصوص عليها بوضوح في ولاية الآلية، وهي ضرورية لحماية عملية التحقيق، ولا سيما لضمان سلامة التحقيق وضمان حماية الضحايا والشهود.
وستسعى الآلية، كلما أمكن ذلك، ورهناً بالقيود التشغيلية، إلى تقديم تعليقات إلى المنظمات غير الحكومية السورية التي قدمت معلومات وأدلة. وفي حدود شروط السرية، يتمثل الهدف في تمكينها من الاستفادة من الدروس المستفادة وتعزيز التعاون مع الآلية؛ وقد تشمل الملاحظات، كلما أمكن، مؤشرات وتوصيات بشأن نوع البيانات المقدمة وجودتها وموضوعها وشكلها.
لا تملك الآلية القدرة على توفير نظام كامل لحماية الشهود، بما في ذلك، على سبيل المثال، برنامج لتغيير أماكن إقامتهم/ن؛ غير أن الآلية تعمل مع الدول بشأن السبل الممكنة التي يمكن أن توفر بها هذه الأشكال من الحماية عند الحاجة. ويمكن أن يحدث ذلك، على سبيل المثال، عندما تيسر الآلية الاتصالات بين سلطات الادعاء أو السلطات القضائية الوطنية والأشخاص الذين يرغبون في الإدلاء بشهاداتهم/ن في الإجراءات في البلد المعني. وبصفة أعم، تطبق الآلية پروتوكولات أمنية صارمة تنظم تفاعلها مع الشهود، وهي بصدد تطوير قدرات دعم الشهود بالنظر إلى زيادة تعاملها مع الشهود.
تقدم الآلية تقريرا إلى الجمعية العامة مرة كل سنة عن تنفيذ ولايتها.
وتدرك الآلية أهمية إبقاء الجمهور عموما على علم بالتطورات والتقدم المحرز في عملها، في حدود السرية. وهذا اعتبار رئيسي، بما في ذلك في مجال التواصل مع المجتمع المدني والدول والجهات الفاعلة الأخرى. ولذلك، فإن الآلية ستبذل كل جهد ممكن، كلما أمكن ذلك، ورهناً بالشواغل المتعلقة بالحماية والالتزامات المتعلقة بالسرية، لإطلاع الجمهور على أعمالها وما تحرزه من تقدم.
علاوةً على ذلك، لن تُطلع الآلية عامة الناس على ملفاتها أو معلومات عن ملفاتها أو معلومات عن الأشخاص الذين يُزعم أنهم/ن مسؤولون/ات عن ارتكاب جرائم خطيرة في سوريا؛ كما أنها لن تنشر أي معلومات طالما نشأت شواغل بشأن حماية وسلامة وأمن الضحايا والشهود وغيرهم/ن من الأشخاص.